الموضوع: دفءٌ قديم
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-2013, 10:41 AM
  #1
الاميره يارا
 الصورة الرمزية الاميره يارا
 
تاريخ التسجيل: Jan 1970
المشاركات: 19,394
معدل تقييم المستوى: 10
الاميره يارا is on a distinguished road
افتراضي دفءٌ قديم
انشر علي twitter


رُبّما تأخر الوقتُ قليلاً , ولكنه لم يَفتْ , فما زلتُ ألملمُ بقايا الصور القديمة , من هنا و هناك , أهرعُ إليها حينَ يسكُنُني الفزع , لترِسمَ انفراجاً خفيفاً لشفتيّ , أضحكُ بعدها بقليلٍ من الهستيرية , فقد كان شعري يمارس التمرّد في وجه الأشرطة الملونة في أغلبها , و نفوري القوي من أشعة الشمس كان جليّاً, و أنتْ , كما كانت حالُكَ دوماً تجتهدُ في إخراجي من تذمُّري الدائم إلى شعورٍ بالراحة , و كثيرٍ من القهقهة .

صديقي ؛ أشتاقُ إلى طفولتي .. إلى ترنيماتِ العصافير الصغيرة التي كُنتَ تطاردُها من أجلي و تجلبها إليّ لأمسح على رؤوسها الناعمة , كان التقاطها متعذراً ! و لكنك كنت تثبتُ دوماً براعتك , منذ فترةٍ يا صديقي , أقلعتُ عن سلبِ حريتها , أذهبُ بين الحين و الآخر لأشاهد مثيلاتها و لكنني كففتُ عن منعها معانقة السماء , اشتاق إليها , و إلى ترانيمها الساحرة .
صديقي , لا أنسى كم كُنتَ تعتني بأمنياتي , تجمعُها في آنية فِضية , تُحكم غطاءها و تنظرُ إليّ تلك النظرة التي لطالما مَلئتْ قلبي أملاً , وأسكنتْ رُوحي اللهفة , تفاجئُني بتحقيقها الواحدة تلو الأخرى , دللتني كثيراً , و كنتُ أتوق إلى المزيد , أذكرُ عندما تمنيتُ حملَ أرنب أبيض بين ذراعي و كرهتُ سائر أرانبكَ الملونة ذات الأعيُن الحُمُر , جلبتَ لي ذلك اللطيف الأبيض الذي لا أنسى خفقاتِ قلبهِ الصغير المذعور و هو بين يدي , صديقي , أكانت أمنياتي سهلة التحقيق عندما كنتُ في التاسعة , أيجب عليها أن تُماشي أرقام عُمري .. لتنمو و تنمو و يتعذرُ تحقيقها ؟!

صديقي البارع ؛ أتذكُرُ عندما تاقتْ نفسي إلى أرجُوحة تطير بي عالياً ؟ و لم يكن خروجنا إلى الحديقة في ذلك اليوم مسموحاً .
كنتُ أجلسُ على الأرض حزينة و طرفُ ثوبي الأزرق يسبحُ في الطين في حديقة منزلكم ,و لم أكترثْ أبداً لتوبيخ والدتي الوشِيك .
أذكرُ كيف كنتَ تنظرُ إليّ من مكانك و عيناك تلمعانِ شاردتين , مع ابتسامةٍ خفيفة مُزجتْ بدهاء , و قلتَ لِي : انتظري , لا تبرحي مكانكِ ! و اختفيت بسرعة البرق لتعود و معك شبكة طويلة منسوجة من حبال متماسكة , قطعةُ خشبٍ مربعة و وسادة بيضاء جلبتها من غرفة المعيشة , صنعت لي أرجوحة بدائية علقتها على جوانبِ السقف المنخفض الذي تشابكتْ فوقه كروم العنب مظللةً المكان , و قلت مُبتسماً : لحسن حظك , أنا بارعٌ في الاختراع من العدم ! , هززت الأرجوحة برفقٍ في البداية , غنّيتُ من شدة الفرح , وكنت تصرخُ مغتاظاً : لا تتمتمي بكلماتٍ غير مفهومة ! على الأقل تحدثي بلغةٍ أفهمها ! أهكذا تردين الجميل ؟!

صديقي ؛ لماذا لا أستطيع خلق الأشياء من العدم كما كنتَ تفعلُ دوماً , فحاجتي إلى بعض الأمور الآن أشد إلحاحاً مما مضى , أينقصُني إبداعُك ؟ .. ربما !

صديقي الحنُون ؛ أتذكرُ كيف كُنتَ تسابقُني إلى شجرةِ التوتِ الأبيضِ لتستأثر بالثمراتِ المُتدلية القريبةِ لنفسك ؟ مُحاولاً ممازحتي و إغاظتي في آن .. كنتُ أقصر منك و أقل حيلة , جلبتَ كُرسياً قريباً و تسلّقتَ الشجرة المعمّرة و أخبرتني ببسطِ فستاني و رفعه قليلاً حتى يتسنّى لك إلقاءُ حبّات التوت الناضجة فوقه , أصابتني الحماسة و قررتُ تسلق الشجرة و لكنك منعتني خوفاً عليّ .. حتى اللحظة يا صديقي , تنتابني أفكارٌ مجنونة , و لكنني أتوانى عن الإقدام عليها في معظم الأحيان , أفقدتُ شجاعتي ؟ أم ضاع تمرُّدي بين صفحات الأيام ؟ ..

صديقي المُخلص ؛ كنتَ تسرقُ لأجلي سجائراً ذات مفعولٍ قوي من جيبِ والدك, لأن فضولي قادني إلى تجربتها , ولمْ تكترث يوماً لتوبيخ والدتك فيما يخص قيادتك لدراجتك الجديدة بتلك الكثرة , كانت توبخك بشدة كلما رأتك تخرجها من أجلي , علمتني قيادتها حتى زالَ خوفي من المنحدرات الضيقة التي كنتَ تشجعني على اجتيازها , آنَ لكَ أن تعلمَ يا صديقي , قليلونَ هُم أصدقائي منذ ابتعادي عنك , امتهنَ معظمهم النفاق , و آثرَ الكثير استغلالي , لي صديقةٌ واحدة فقط الآن , حقيقة مثلُك .

صديقي ؛ تنتابُني رغبةٌ في البكاء , لا لكي تتم مُواساتي , و لا لأرسِم الشفقة على وجهِ أحدهم , و لكن لأمزقَ صفحاتِ الشحوب ورائي , لدقائقَ معدودة يحمرّ فيها أنفي وتتوردُ شفتاي , أريد للسماء مُشاركتي البكاء , تُبللني فأتابعُ الشهيق , حتى يراودني النُعاس , و أتكئ على شجرةِ تفاح ُمنزوية عن أعين الناظرين , كما كنتُ أفعلُ في حديقةِ منزلكم عندما كانت والدتي تُعاقبني و تأبى الحديثَ معي , فرُبما تُكتَبُ لي لذة الشُرودِ عن الواقع لأنتهزها ثانية بثانية .

صديقي [ميم] ؛ أشتاقُ إلى مستقبلٍ يُذكرني بطفولتي معك , تُسدَلُ فيه ستائرُ النشوة على عينيّ كلّ ليلة , و أستيقظ فيه على النقاء , و البساطة و العفوية ..

ليتني أستطيعُ تجاهلَ عُقَد أيامي الآن كما كنتُ أتجاهلُ عُقد خصلات شعري المتشابكة التي كانت تُغيظُ والدتي في نهايةِ يومٍ من اللعبِ و الجري معك.
فقط كُنْ بِخير, فرسالتي لكَ تائِهةٌ في زمنٍ نُسيتْ فيه الرسائل , و استبدلتْ بالكثيرِ من السطحية , باتتْ ألسنة الناسِ تلتهمُ كُلَّ ضعيفٍ مُثقلٍ بالطِيبة , و تُبجّلُ كُلَّ مُتعالٍ سليط .. أمستْ أذرعُ الصدقِ هالِكة , و أسلِحةُ العدلِ مُصادَرة , و السماءُ الزرقاءُ أصبحتْ خيالاً شاحِباً .

فقط كُنْ بخير ..
للمزيد من مواضيعي

 

الموضوع الأصلي : دفءٌ قديم         المصدر : منتديات الاميرة يارا         الكاتب : الاميره يارا



]txR r]dl ]txR r]dl

الاميره يارا غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس