مواويل تسمعها وأنت طفل، فتغفو على صوتها،…
وحين تكبر تسمعها، فتسهر عيناك في معانيها،…
جدتي كنز مخبوء في حنايا الذاكرة،…
حكاياتها تطلق عنان مخيلتي خلف حدود الكون،…
تحتار عيناي المدورتان وهما تلاحقان الصور التي تنثرها هنا وهناك،…
أنظر إلى صندوقها الخشبي العتيق، فتلعب في رأسي أفكار تقول أنها تخبئ كل تلك الصور والحكايات في داخله، حتى إذا اقتربت منه لألامسه، أتذكر الجنية التي كانت تحكي عنها جدتي فأرتعد وأبتعد،… خوفاً من أن تخرج تلك الجنية منه فجأة إذا فتحته…
“شقية أنت!”… تهز جدتي إصبعها، فأرسل لها قبلة في الهواء، وأهرب بعيداً أتابع فصول الشيطنة.
وعندما أتعب من شيطنتي أنهدّ جالسة بقربها،
أستند إلى جانبها الأيسر،… حيث قلبها،
أحيط ذراعها بذراعيّ الصغيرتين، كأنما أمنعها من أن تهرب من حياتي،..
. أسند رأسي أسفل كتفها، فتلتفت إليه وتقبله،… ثم تمسح شعري بيمناها: “تعبتِ من اللعب يا صغيرة”…
“غني لي يا ستي،… أريد أن أنام”…
كان صوتها مثل حلم الأطفال،… هانئ جميل…
((تخمين بعدك زغيري
ما بتعرفي الشمس كيف بتطلع بشرقا
والغيم لما بيحجب العينين عن شَوْفتا
بيزيد القلب دقته دقة،…
وألف دقة…
ردت عليه وقالت بحرقة:
كبيري أنا وسأل شموخ الأرز
عا حفاف العمر يبقى
بس القلب من بعد طعنة السكين
فلّ ورجع عالبيت،
وغربته نقّى…))
ينتهي موالها، فأذهب في إغفاءة طويلة حتى الصباح…
ولأني كنت “بعدني زغيري”، لم أسألها لماذا تختار كل مرة نفس الموال فتغنيه لي وأنام على لحن كلماته دون أن أفهم معناها!…
يقولون أني ورثت عن جدتي شكل حنايا جسمها، وبعضاً من تقاسيم وجهها، وجمال صوتها،… وينسون دائماً أني ورثت عنها أيضاً هذا الموال، حتى صرت لا أنام قبل أن أسمعه… مني!.
كبرت…
لكني لا زلت أفرح بأصابع الحلوى التي تهدى إلي،…
ولا تزال عيناي ترقصان بدهشة كلما رأت قوس قزح،…
وأقفز… وأقفز… وأدور حول نفسي حين يهطل الثلج، حتى أكاد أذوب معه،…
ويهتف قلبي “حياتي!”… كلما قابلت صورة في الشعر تعجبني، أو جملة يحويها كتاب…
يقولون لي: “ستظلين طفلة، حتى لو طاولت الأرز وأشجار الصنوبر”!…
للحديث تتمه
للمزيد من مواضيعي