طبيب عيون

الوداع يا عمري

“تفضلي”… أدخلتني الممرضة إلى غرفته…

بابتسامة أشار إلى المقعد قبالة مكتبه،…

جلست،… وفي الجو طمأنينة ساحرة!…

“تفضلي…” بهدوء واثق قالها، طالباً أن أحكي عن حالتي.

قلت: “هذه النظارة ألبسها منذ عام،… يبدو أنها لم تعد تمام الآن”


ورنّ الحرف الأخير من جملتي في سكون المكان!…

شككت أن أكون أنا التي تكلمت بكل ذاك الهدوء وتلك العذوبة،…

أنا التي تجنّ الساحة بمجرد حضوري فيها أهمس مثل اللحن الغافي على أوتار القلب!…

سأل: “هل النظارة للقريب أم للبعيد؟”

“للقريب،… القريب جداً!…”

وهربت عيناي بعيداً عن وقار وجهه…

أول مرة أعرف أن السكون ممكن أن يهز مثل عاصفة، ويصعق مثل الرعد!…

أشار إلى كرسي الفحص الطبي في الركن الآخر للغرفة،

قمت إلى هناك،… وأنا لست أنا،… والمكان غير المكان!…

سألني عن الحروف كيف أراها…

لو يعرف حقاً كيف كنت أراها!…

“تمام…” أنهى الفحص الطبي، وقام إلى مكتبه الهادئ مثله…

كتب نتيجة فحص العينين،… توقف لحظة،… وراح يطمئنني أن الأمر بسيط جداً…

يشرح،… وأنا أستمع إليه،… تلميذة في حضرة أستاذ عالم…

فرحت وأنا أسمع كلماته تشرح كم يهتمّ…

فرحت،…

وخفت أن أغترّ لو صدقت أني حقاً صرت تلميذة في طب العيون عنده!…

سلمني ورقة تحمل إمضاءه،… وابتسم…

غيّر ألوان الطيف في عينيّ!…

“متى أعود للمراجعة؟…” صحوت من نوم مغناطيسي…

“ليس قبل سنة،… عيناك في وضع مستقر…”

“نعم عيناي في وضع مستقر،… لكن ماذا عن…..؟!”

سنة!…

ياااااه!…

إنه دهر بعيد،… بعيد!…

بغفلة من عينيه أخفيت نظارتي القديمة في زاوية مكتبه القريب…

شكرته،… وأسرعت هاربة قبل أن يكتشف حيلتي…

تركت نظارتي عنده…

أردت أن أعود غداً كي أستردها،

وأسترد لحظات من كنز السكينة الذي وجدته عنده!…

ضحكت عيناي وهما تلمحان عيادته تبتعد عن خطواتي،…

وضحك قلبي…

“كيف يمكن لطبيب عيون أن يصحح نظرتي إلى الحياة،… ونظري!!!”.

للمزيد من مواضيعي