منتدى عرباوي

الانتقال للخلف   منتديات الاميرة يارا > قسم الشعر والادب > منتدى القصص والرويات _قصص واقعيه قصص خياليه

منتدى القصص والرويات _قصص واقعيه قصص خياليه تحميل قصص, تحميل روايات, تحميل قصة, تحميل رواية, قراءة قصة, قراءة رواية, قصص ادبية, روايات ادبية, قصص خرافية, روايات خرافية,منتدى القصص والروايات , قصة ,رواية , قصص حقيقة ,روايات عالمية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 05-22-2018, 11:17 AM
  #11
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

وكان عادة ملوك ذلك الزمان إذا استوزروا وزيراً أن يعقدوا على رأسه تاجاً، ويركب في أهل المملكة، ويطاف به في المدينة. فأمر الملك أن يفعل ببيدبا ذلك. فوضع التاج على رأسه، وركب المدينة ورجع فجلس بمجلس العدل والإنصاف: يأخذ للدني من الشريف، ويساوي بين القوي والضعيف؛ ورد المظالم، ووضع سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل. واتصل الخبر بتلاميذه فجاءوه من كل مكان، فرحين بما جدد الله له من جديد رأي الملك في بيدبا؛ وشكروا الله تعالى على توفيق بيدبا في إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء السيرة، واتخذوا ذلك اليوم عيداً يعيدون فيه فهو إلى اليوم عيدٌ عندهم في بلاد الهند.

ثم أن بيدبا لما أخلى فكره من اشتغاله بدبشليم، تفرغ لوضع كتب السياسة ونشط لها، فعمل كتباً كثيرةً، فيها دقائق الحيل. ومضى الملك على ما رسم له بيدبا من حسن السيرة والعدل في الرعية. فرغبت إليه الملوك الذين كانوا في نواحيه، وانقادت له الأمور على استوائها. وفرحت به رعيته وأهل مملكته. ثم أن بيدبا جمع تلاميذه فأحسن صلتهم، ووعدهم وعداً جميلاً. وقال لهم: لست أشك أنه وقع في نفوسكم وقت دخولي على الملك أن قلتم: إن بيدبا قد ضاعت حكمته، وبطلت فكرته: إذ عزم على الدخول على هذا الجبار الطاغي. فقد علمتم نتيجة رأيي وصحة فكري. وإني لم آته جهلاً به: لأني كنت أسمع من الحكماء قبلي تقول: إن الملوك لها سورةٌ كسورة الشراب: فالملوك لا تفيق من السورة إلا بمواعظ العلماء وأدب الحكماء. والواجب على الملوك أن يتعظوا بمواعظ العلماء. والواجب على العلماء تقويم الملوك بألسنتها، وتأديبها بحكمتها، وإظهار الحجة البينة اللازمة لهم: ليرتدعوا عما هم عليه من الاعوجاج والخروج عن العدل. فوجدت ما قالت العلماء فرضاً واجباً على الحكماء لملوكهم ليوقظوهم من رقدتهم؛ كالطبيب الذي يجب عليه في صناعته حفظ الأجساد على صحتها أو ردها إلى الصحة. فكرهت أن يموت أو أموت وما يبقى على الأرض غلا من يقول: إنه كان بيدبا الفيلسوف في زمان دبشليم الطاغي فلم يرده عما كان عليه. فإن قال قائل: إنه لم يمكنه كلامه خوفاً على نفسه، قالوا: كان الهرب منه ومن جواره أولى به؛ والانزعاج عن الوطن شديدٌ؛ فرأيت أن أجود بحياتي؛ فأكون قد أتيت فيما بيني وبين الحكماء بعدي عذراً. فحملتها على التغرير أو الظفر بما أريده. وكان من ذلك ما أنتم معاينوه: فإنه يقال في بعض الأمثال: إن لم يبلغ أحد مرتبة إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بمشقةٍ تناله في نفسه، وإما بوضعيةٍ في ماله أو وكسٍ في دينه . ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. وإن الملك دبشليم قد بسط لساني في أن أضع كتاباً فيه ضروب الحكمة. فليضع كل واحد منكم شيئاً في أي فن شاء؛ وليعرضه علي لأنظر مقدار عقله، وأين بلغ من الحكمة فهمه. قالوا: أيها الحكيم الفاضل، واللبيب العاقل، والذي وهب لك ما منحك من الحكمة والعقل والأدب والفضيلة، ما خطر هذا بقلوبنا ساعةً قط. وأنت رئيسنا وفاضلنا، وبك شرفنا، وعلى يدك انتعاشنا. ولكن سنجهد أنفسنا فيما أمرت. ومكث الملك على ذلك من حسن السيرة زماناً يتولى ذلك له بيدبا ويقوم به.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:17 AM
  #12
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

ثم إن الملك دبشليم لما استقر له الملك، وسقط عنه النظر في أمور الأعداء بما قد كفاه ذلك بيدبا، صرف همته إلى النظر في الكتب التي وضعتها فلاسفة الهند لآبائه وأجداده؛ فوقع في نفسه أن يكون له أيضاً كتابٌ مشروحٌ ينسب إليه وتذكر فيه أيامه كما ذكر آباؤه وأجداده من قبله. فلما عزم على ذلك، علم أنه لا يقوم ذلك إلا ببيدبا: فدعاه وخلا به؛ وقال له: يا بيدبا، إنك حكيم الهند وفيلسوفها. وإني فكرت ونظرت في خزائن الحكمة التي كانت للملوك قبلي؛ فلم أر فيهم أحداً إلا وضع كتاباً يذكر فيه أيامه وسيرته، وينبئ عن أدبه وأهل مملكته؛ فمنه ما وضعته الملوك لأنفسها، وذلك لفضل حكمةٍ فيها؛ ومنها ما وضعته حكماؤها. وأخاف أن يلحقني ما لحق أولئك مما لا حيلة لي فيه، ولا يوجد في خزائني كتابٌ أذكر به من بعدي، وأنسب إليه كما ذكر من كان قبلي بكتبهم. وقد أحببت أن تضع لي كتاباً بليغاً تستفرغ فيه عقلك يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته؛ فيسقط بذلك عني وعنهم كثيرٌ مما نحتاج إليه في معاناة الملك. وأريد أن يبقى لي هذا الكتاب من بعدي ذكراً على غابر الدهور. فلما سمع بيدبا كلامه خر له ساجداً، ورفع رأسه وقال: أيها الملك السعيد جده، علا نجمك، وغاب نحسك، ودامت أيامك؛ إن الذي قد طبع عليه الملك من جودة القريحة ووفور العقل حركه لعالي الأمور؛ وسمت به نفسه وهمته إلى أشرف المراتب منزلةً، وأبعدها غايةً؛ وأدام الله سعادة الملك وأعانه على ما عزم من ذلك، وأعانني على بلوغ مراده. فليأمر الملك بما شاء من ذلك: فإن صائرٌ إلى غرضه، مجتهداٌ فيه برأيي. قال له الملك: يا بيدبا لم تزل موصوفاً بحسن الرأي وطاعة الملوك في أمورهم. وقد اختبرت منك ذلك، واخترت أن تضع هذا الكتاب، وتعمل فيه فكرك، وتجهد فيه نفسك، بغاية ما تجد إليه السبيل. وليكن مشتملاً على الجد والهزل واللهو والحكمة والفلسفة. فكفر له بيدبا وسجد، وقال: قد أجبت الملك أدام الله أيامه إلى ما أمرني به، وجعلت بيني وبينه أجلاً. قال: وكم هو الأجل؟ قال: سنةٌ. قال: قد أجلتك؛ وأمر له بجائزةٍ سنيةٍ تعينه على عمل الكتاب فبقى بيدبا مفكراً في الأخذ فيه، وفي أي صورةٍ يبتدي بها فيه وفي وضعه.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:18 AM
  #13
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

ثم إن بيدبا جمع تلاميذه وقال لهم: إن الملك قد ندبني لأمر فيه فخري وفخركم وفخر بلادكم، وقد جمعتكم لهذا الأمر. ثم وصف لهم ما سأل الملك من أمر الكتاب، والغرض الذي قصد فيه، فلم يقع لهم الفكر فيه فلما لم يجد عندهم ما يريده فكر بفضل حكمته، وعلم أن ذلك أمرٌ إنما يتم باستفراغ العقل وإعمال الفكر؛ وقال: أرى السفينة لا تجري في البحر إلا بالملاحين: لأنهم يعدلونها؛ وإنما تسلك اللجة بمدبرها الذي تفرد بإمرتها ؛ ومتى شحنت بالركاب الكثيرين وكثر ملاحوها لم يؤمن عليه من الغرق. ولم يزل يفكر فيما يعمله في باب الكتاب حتى وضعه على الانفراد بنفسه، مع رجلٍ من تلاميذه كان يثق به؛ فخلا به منفرداً معه، بعد أن أعد الورق الذي كانت تكتب فيه الهند شيئاً، ومن القوت ما يقوم به وبتلميذه تلك المدة. وجلسا في مقصورةٍ، وردا عليهما الباب ثم بدأ في نظم الكتاب وتصنيفه؛ ولم يزل هو يملي وتلميذه يكتب، ويرجع هو فيه؛ حتى استقر الكتاب على غاية الإتقان والإحكام. ورتب فيه أربعة عشر باباً؛ كل بابٍ منها قائم بنفسه. وفي كل باب مسألةٌ والجواب عنها؛ ليكون لمن نظر فيه حظٌ من الهداية. وضمن تلك الأبواب كتاباً واحداً؛ وسماه كتاب كليلة ودمنة. ثم جعل كلامه على ألسن البهائم والسباع والطير: ليكون ظاهره لهواً للخواص والعوام، وباطنه رياضةً لعقول الخاصة. وضمنه أيضاً ما يحتاج إليه الإنسان من سياسة نفسه وأهله وخاصته، وجميع ما يحتاج إليه من أمير دينه ودنياه، وأخرته وأولاه؛ ويحضه على حسن طاعته للملوك ويجنبه ما تكون مجانبته خيراً له. ثم جعله باطناً وظاهراً كرسم سائر الكتب التي برسم الحكمة: فصار الحيوان لهواً، وما ينطق به حكمةً وأدباً. فلما ابتدأ بيدبا بذلك جعل أول الكتاب وصف الصديق، وكيف يكون الصديقان، وكيف تقطع المودة الثابتة بينهما بحيلة ذي النميمة. وأمر تلميذه أن يكتب على لسان بيدبا مثل ما كان الملك شرطه في أن جعله لهواً وحكمةً. فذكر بيدبا أن الحكمة متى دخلها كلام النقلة أفسدها وجهلت حكمتها. فلم يزل هو وتلميذه يعملان الفكر فيما سأله الملك، حتى فتق لهما العقل أن يكون كلامهما على لسان بهيمتين. فوقع لهما موضع اللهو والهزل بكلام البهائم. وكانت الحكمة ما نطقا به. فأصغت الحكماء إلى حكمه وتركوا البهائم واللهو، وعلموا أنها السبب في الذي وضع لهم. ومالت إليه الجهال عجباً من محاورة بهيمتين، ولم يشكوا في ذلك؛ واتخذوه لهواً، وتركوا معنى الكلام أن يفهموه، ولم يعلموا الغرض الذي وضع له؛ لأن الفيلسوف إنما كان غرضه في الباب الأول أن يخبر عن تواصل الإخوان كيف تتأكد المودة بينهم على التحفظ من أهل السعاية والتحرز ممن يوقع العداوة بين المتحابين: ليجر بذلك نفعاً إلى نفسه. فلم يزل بيدبا وتلميذه في المقصورة، حتى استتما عمل الكتاب في مدة سنةٍ. فلما تم الحول أنفذ إليه الملك أن قد جاء الوعد فماذا صنعت؟ فأنفذ إليه بيدبا: إني على ما وعدت الملك. فليأمرني بحمله، بعد أن يجمع أهل المملكة لتكون قراءتي هذا الكتاب بحضرتهم، فلما رجع الرسول إلى الملك سر بذلك، ووعده يوماً يجمع فيه أهل المملكة. ثم نادى في أقاصي بلاد الهند ليحضروا قراءة الكتاب. فلما كان ذلك اليوم، أمر الملك أن ينصب لبيدبا سريرٌ مثل سريره، كراسي لأبناء الملوك والعلماء.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:18 AM
  #14
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

وأنفذ فأحضره. فلما جاءه الرسول قام فلبس الثياب التي كان يلبسا إذا دخل على الملوك وهي المسوح السود، وحمل الكتاب تلميذه. فلما دخل على الملك وثب الخلائق بأجمعهم، وقام الملك شاكراً. فلما قرب من الملك كفر له وسجد، ولم يرفع رأسه. فقال له الملك: يا بيدبا ارفع رأسك، فإن هذا يوم هناءةٍ وفرحٍ وسرورٍ، وأمره أن يجلس. فحين جلس لقراءة الكتاب، سأله عن معنى كل باب من أبوابه، وإلى أي شيءٍ قصد فيه. فأخبره بغرضه فيه، وفي كل باب. فازداد الملك منه تعجباً وسروراً. فقال له: يا بيدبا ما عدوت الذي في نفسي؛ وهذا الذي كنت أطلب؛ فالطلب ما شئت وتحكم. فدعا له بيدبا بالسعادة وطول الجد. وقال: أيها الملك أما المال فلا حاجة لي فيه، وأما الكسوة فلا أختار على لباسي ذا شيئاً؛ ولست أخلي الملك من حاجةٍ. قال الملك: يا بيدبا ما حاجتك؟ فكل حاجةٍ لك قبلنا مقضيةٌ. قال: يأمر الملك أن يدون كتابي هذا كما دون آباؤه وأجداده كتبهم، ويأمر بالمحافظة عليه: فإن أخاف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.اف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:19 AM
  #15
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

وكذلك طالب الآخرة مجتهد في العمل المنجي به روحه لا يقدر على إتمام عمله وإكماله إلا بالعقل الذي هو سبب كل خير ومفتاح كل سعادةٍ. فليس لأحد غنى عن العقل. والعقل مكتسب بالتجارب والأدب. وله غريزةٌ مكنونةٌ في الإنسان كامنةٌ كالنار في الحجر لا تظهر ولا يرى ضوءها حتى يقدحها قادحٌ من الناس ؛ فإذا قدحت ظهرت طبيعتها. وكذلك العقل كامن في الإنسان لا يظهر حتى يظهره الأدب وتقويه التجارب. ومن رزق العقل ومن به عليه وأعين على صدق قريحته بالأدب حرص على طلب سعد جده، وأدرك في الدنيا أمله، وحاز في الآخرة ثواب الصالحين. وقد رزق الله الملك السعيد أنوشروان من العقل أفضله، ومن العلم أجزله؛ ومن المعرفة بالأمور أصوبها، ومن الأفعال أسدها، ومن البحث عن الأصول والفرع أنفعه ؛ وبلغه من فنون اختلاف العلم، وبلوغ منزلة الفلسفة، ما لم يبلغه ملكٌ قط من الملوك قبله ؛ حتى كان فيما طلب وبحث عنه من العلم أن بلغه عن كتاب بالهند، علم أنه أصل كل أدب ورأس كل علمٍ، والدليل على منفعةٍ، ومفتاح عمل الآخرة وعلمها، ومرعبة النجاة من هولها ؛ فأمر الملك وزيره بزرجمهر أن يبحث له عن رجل أديبٍ عاقل من أهل مملكته، بصير بلسان الفارسية، ماهر في كلام الهند ؛ ويكون بليغاً باللسانين جميعاً، حريصاً على طلب العلم مجتهداً في استعمال الأدب، مبادراً في طلب العلم، والبحث عن كتب الفلسفة. فأتاه برجلٍ أديب كامل العقل والأدب، معرفٍ بصناعة الطب، ماهر في الفارسية والهندية يقال له بروزيه ؛ فلما دخل عليه كفر وسجد بين يديه. فقال له الملك : يا بروزيه، إن قد اخترتك لما بلغني من فضلك وعلمك وعقلك، وحرصك على طلب العلم حيث كان.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:19 AM
  #16
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

وقد بلغني عن كتاب بالهند مخزون في خزائنهم، وقص عليه ما بلغه عنه. وقال له : تجهز فإني مرحلك إلى أرض الهند ؛ فتلطف بعقلك وحسن أدبك وناقد رأيك، لاستخراج هذا الكتاب من خزائنهم ومن قبل علمائهم ؛ فتستفيد بذلك وتفيدنا. وما قدرت عليه من كتب الهند مما ليس في خزائننا منه شيءٌ فأحمله معك ؛ وخذ معك من المال ما تحتاج إليه، وعجل ذلك، ولا تقصر في طلب العلوم وإن أكثرت فيه النفقة، فإن جميع ما في خزائني مبذول لك في طلب العلوم. وأمر بإحضار المنجمين ؛ فاختاروا له يوماً يسير فيه، وساعة صالحةً يخرج فيها. وحمل معه من المال عشرين جراباً ؛ كل جرابٍ فيه عشرة آلاف دينار. فلما قدم بروزيه بلاد الهند طاف بباب الملك ومجالس السوقة ، وسأل عن خواص الملك والأشراف والعلماء والفلاسفة ؛ فجعل يغشاهم في منازلهم، ويتلقاهم بالتحية، ويخبرهم بأنه رجل غريب قدم بلادهم لطلب العلوم والأدب، وأنه محتاج إلى معاونتهم في ذلك. فلم يزل كذلك زماناً طويلاً يتأدب عن علماء الهند يما هو عالم بجميعه ؛ وكأنه لا يعلم منه شيئاً ؛ وهو فيما بين ذلك يستر بغيته وحاجته. واتخذ في تلك الحالة لطول مقامه أصدقاء كثيرةٌ من الأشراف والعلماء والفلاسفة والسوقة ومن أهل كل طبقة وصناعةٍ ؛ وكان قد اتخذ من بين أصدقائه رجلاً واحداً قد اتخذه لسره وما يحب مشاورته فيه ؛ للذي ظهر له من فضله وأدبه، واستبان له من صحة إخائه ؛ وكان يشاوره في الأمور، ويرتاح إليه في جميع ما أهمه. إلا أنه كان يكتم منه الأمر الذي قدم من أجله لكي يبلوه ويخبره، وينظر هل هو أهل أن يطلعه على سره.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-22-2018, 11:20 AM
  #17
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

فقال له يوماً وهما جالسان : يا أخي ما أريد أن أكتمك من أمري فوق الذي كتمتك. فاعلم أنني لأمرٍ قدمت، وهو غير الذي يظهر مني ؛ والعاقل يكتفي من الرجل بالعلامات من نظره، حتى يعلم سر نفسه وما يضمره قلبه. قال له الهندي : إني وإن لم أكن بدأتك وأخبرتك بما جئت له، وإياه تريد ؛ وأنك تكتم أمراً تطلبه، وتظهر غيره ؛ ما خفي علي ذلك منك. ولكني لرغبتي في إخائك، كرهت أن أواجهك به. وإنه قد استبان ما تخفيه مني. فأما إذ قد أظهرت ذلك، وأفصحت به وبالكلام فيه، فإني مخبرك عن نفسك، ومظهر لك سريرتك، ومعلمك بحالك التي قدمت لها ؛ فإنك قدمت بلادنا لتسلبنا كنوزنا النفيسة، فتذهب بها إلى بلادك، وتسر بها ملكك. وكان قدومك بالمكر والخديعة. ولكني لما رأيت صبرك، ومواظبتك على طلب حاجتك، والتحفظ من أن يسقط منك الكلام، مع طول مكثك عندنا، بشيءٍ يستدل به على سريرتك وأمورك، ازددت رغبةً في إخائك، وثقة بعقلك، فأحببت مودتك. فإني لم أر في الرجال رجلاً هو أرصن منك عقلاً، ولا أحسن أدباً، ولا أصبر على طلب العلم ولا أكتم لسره منك ؛ ولا سيما في بلاد الغربة، ومملكة غير مملكتك، عند قومٍ لا تعرف سنتهم. وإن عقل الرجل ليبين في ثماني خصال : الأولى الرفق، والثانية أن يعرف الرجل نفسه فيحفظها، والثالثة طاعة الملوك، والتحري لما يرضيهم. والرابعة معرفة الرجل موضع سره، وكيف ينبغي أن يطلع عليه صديقه، والخامسة أن يكون على أبواب الملوك أديباً ملق اللسان . والسادسة أن يكون لسره وسر غيره حافظاً. والسابعة أن يكون على لسانه قادراً، فلا يتكلم إلا بما يأمن تبعته. والثامنة إن كان بالمحفل لا يتكلم إلا بما يسأل عنه. فمن اجتمعت فيه هذه الخصال كان هو الداعي الخير إلى نفسه. وهذه الخصال كلها قد اجتمعت فيك، وبانت لي منك. فالله تعالى يحفظك، ويعينك على ما قدمت له ؛ فمصادقتك إياي، وإن كانت لتسلبني كنزي وفخري وعلمي، تجعلك أهلاً لأن تسعف بحاجتك، وتشفع بطلبتك ، وتعطي سؤلك. فقال له بروزيه : إني كنت هيأت كلاماً كثيراً، وشعبت له شعوباً ؛ وأنشأت له أصولاً وطرقاً ؛ فلما انتهيت إلى ما بدأتني به من إطلاعك على أمري والذي قدمت له، وألقيته علي من ذات نفسك، ورغبتك فيما ألقيت من القول، اكتفيت باليسير من الخطاب معك، وعرفت الكبير من أموري بالصغير من الكلام، واقتصرت به معك على الإيجاز. ورأيت من إسعافك إياي بحاجتي ما دلني على كرمك وحسن وفائك : فإن الكلام إذا ألقي إلى الفيلسوف، والسر إذا استودع إلى اللبيب الحافظ، فقد حصن وبلغ به نهاية أمل صاحبه، كما يحصن الشيء النفيس في القلاع الحصينة. قال له الهندي : لا شيء أفضل من المودة. ومن خلصت مودته كان أهلاً أن يخلطه الرجل بنفسه، ولا يدخر عنه شيئاً، ولا يكتمه سراً : فإن حفظ السر رأس الأدب. فإذا كان السر عند الأمين الكتوم فقد احترز من التضييع؛ مع أنه خليق ألا يتكلم به ؛ ولا يتم سرٌ بين اثنين قد علماه وتفاوضاه. فإذا تكلم بالسر اثنان فلا بد من ثالث من جهة أحدهما ؛ فإذا صار إلى الثلاثة فقد شاع وذاع، حتى لا يستطيع صاحبه أن يجحده ويكابر عنه ؛ كالغيم إذا كان متقطعاً في السماء فقال قائل : هذا غيمٌ متقطعٌ، لا يقدر أحدٌ على تكذيبه. وأنا قد يداخلني من مودتك وخلطتك سرورٌ لا يدله شيءٌ. وهذا الأمر الذي تطلبه مني أعلم أنه من الأسرار التي لا تكتم ؛ فلا بد أن يفشو ويظهر، حتى يتحدث به الناس. فإذا فشا فقد سعيت في هلاكي هلاكاً لا أقدر على الفداء منه بالمال وإن كثر : لأن ملكنا فظٌ غليظُ، يعاقب على الذنب الصغير أشد العقاب ؛ فكيف مثل هذا الذنب العظيم ؟ وإذا حملتني المودة التي بين وبينك فأسعفتك بحاجتك لم يرد عقابه عني شيءٌ. قال بروزيه : إن العلماء قد مدحت الصديق إذا كتم سر صديقه وأعانه على الفوز. وهذا الأمر الذي قدمت له، لمثلك ذخرته، وبك أرجو بلوغه؛ وأنا واثقٌ بكرم طباعك ووفور عقلك، وأعلم أنك لا تخشى مني ولا تخاف أن أبديه ؛ بل تخشى أهل بيتك الطائفين بك وبالملك أن يسعوا بك إليه. وأنا أرجو ألا يشيع شيءٌ من هذا الأمر : لأني أنا ظاعنٌ وأنت مقيمٌ، وما أقمت فلا ثالث بيننا. فتعاهدا على هذا جميعاً.
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-25-2018, 10:08 AM
  #18
الاميره يارا
 الصورة الرمزية الاميره يارا
 
تاريخ التسجيل: Jan 1970
المشاركات: 19,394
معدل تقييم المستوى: 10
الاميره يارا is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

يسلموووووو ع الطرح اشكرك
الاميره يارا غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-25-2018, 10:50 AM
  #19
دولة الرئيس
 الصورة الرمزية دولة الرئيس
 
تاريخ التسجيل: May 2018
المشاركات: 7,677
معدل تقييم المستوى: 10
دولة الرئيس is on a distinguished road
افتراضي رد: كليلة ودمنة

يارا نورتي اشكرك
دولة الرئيس غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

الكلمات الدليلية
ودمنة, كليلة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 AM.

converter url html by fahad

 



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024