الهِجرةُ النَّبويّةُ درسٌ في التَّخطيط
مهارة التَّخطيط
من المهارات الأساسيّة التي يتعيَّنُ أَن يمتَلِكَها النّاجحون مهارةُ التَّخطيط؛ فلا مجالَ للعشوائيَّة في عالم النَّجاح، وإذا تأمَّلتَ حياةَ النّاجحين الكبار مِن أعلامٍ وسياسيين ورجالِ أعمال واقتصاديين ومُدراء تنفيذيّين ومُعلّمين وغيرهم، تَجِدُ أَنَّهم حازوا قصبَ السَّبق في ميادين تخصًّصاتهم بالتَّخطيط العِلميّ الدَّقيق.
وقديمًا قالوا: الفاشلُ أَحدُ اثنين: شخصٌ لا يُخطِّطُ، أو شخصٌ يُخطِّطُ ولا يُنفِّذُ.
وبالتَّأمُّل في سيرة نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم نَجِدُ أَنَّه التَزمَ التَّخطيطَ مذهبًا في حياته؛ حيثُ كانَ لا يُقدِمُ على فعل أَمرٍ إلاّ إذا خطَّطَ له، ورسم معالِم لسيره، واتَّخذ الإجراءات العمليّة لتطبيقه وتنفيذه.
الهِجرةُ
النَّبويّةُ درسٌ في
التَّخطيط لا يُضاهى:
لمّا أمر الله تبارك اسمه نبيَّه محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم أَن يُهاجرَ إلى المدينة المُنوَّرة، بادرَ صلّى الله عليه وسلّم باتِّخاذ جميع احتياطات
التَّخطيط اللازمة لِكَيْ يقطعَ مفازةَ الصَّحراء بين مكَّةَ المكرَّمةِ والمدينة المُنوَّرة، ويُمكنُ إيجازُ معالم الخُطَّة النَّبويّة الرّاشدة فيما يأتي:
1 – اشترى أبو بكر الصِّدِّيقُ رضي الله عنه راحِلتين، وكان يعتني بهما، ويُعِدُّهما للرِّحلة، وهذا بلغة العصر: تأمينُ وسيلة السّفر.
2 – عَمّى على قُريش وخالفَ الوِجهةَ المَقصودةَ، حيثُ توجَّه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم والصِّدِّيقُ رضي الله عنه صوبَ غار ثَورٍ، وهو اتِّجاهٌ مُخالِفٌ لجهة المدينة المُنوّرة، وهذا من اتّخاذ الحيطة والحذر والتّمويه في الخطط العسكريّة.
3 – خَرَجا في غير وقت الخروج المُعتاد للأسفار والرّحلات؛ حيثُ اختار النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وقت الظَّهيرة في شِدَّة القيظ، وهُو فترةُ القيلولة في صحراء مكّة الحارّة؛ حيثُ تميلُ النُّفوسُ إلى أخذ قسطٍ من الرّاحة والاحتماء بظلال البيوت وأشجارها، وذلك هو الاختيار الزّمنيّ المُوفّق.
4 – استأجرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبُه الصِّدّيق رضي الله عنه دليلاً ماهِرًا خِرِّيتًا، عارِفًا بمفاوز الصّحراء، خبيرًا بِمسالِكها، ومعالم السير فيها، وهذا ما يُعبَّرُ عنه في العصر الحديث الاستخبار اللوجستي الجُغرافي...
للمزيد من مواضيعي